من هو الباي حاج احمد ؟

إجابة معتمدة
من هو الباي حاج احمد ؟

يُعتبر الحاج أحمد، باي قسنطينة الأخير، من ألمع وجوه المقاومة في الجزائر، ومن أكبر قادتنا الذين دوخوا فرنسا، والذين يجب أن نفتخر بهم.
لقد اعترف له كثير من الجنرالات بالدهاء العسكري، وحاول المارشال فالي أن يتفق معه، اقتناعاً منه بأن الرجل أهل للقيادة و لا يمكن أن يستسلم بسهولة.
وإذا كان المؤرخون الغربيون لم يُعطوا له حقه، قاصدين بذلك تشويه التاريخ الجزائري المجيد، و التمييز بين مختلف عناصر الشعب للتقليل من أمجاد ماضينا الحافل بعوامل الأمل، و دوافع الإيمان بالمستقبل، فإن من واجبنا نحن أن نزيل الغبار عن هذه الشخصية، وغيرها من أمثال ابن سالم، ابن علال، حمدان خوجة، بومزراق، بومعزة، بوبغلة، بوعمامة، محمد الصغير بن أحمد بن الحاج، بوزيان إلخ…ونخرج من طيات النسيان تلك الصفحات الخالدة التي كتبوها بدمائهم، لنستوحي منها طريقنا نحو حياة أفضل.
لقد كان الحاج أحمد كرغليا، على حد تعبير المؤرخين الفرنسيين، ولكن المنطق يحتم علينا أن أن نؤكد غير ذلك، أنه جزائري قبل كل شيء: ولد في الجزائر من أب ولد في الجزائر، زد على ذلك فهو ذلك الرجل الذي وهب حياته لهذا الوطن و لا يعرف وطنا سواه.
وإذا سلمنا لهؤلاء المؤرخين بأن أحمد باي لم يكن جزائريا، فماذا نقول عن بونابرت الذي جاء إلى فرنسا من جزيرة كورسيكا؟ وماذا نقول عن الأمراء الفرنسيين الذين ينحدرون من سلالة بريطانية؟ وماذا نقول أيضا، عن أباطرة روما العرب و الأفارقة؟
وإذا أردنا نحن أن نجرد أحمد من الجنسية الجزائرية يجب، قبل ذلك، أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: لماذا أُعطيت الجنسية الجزائرية لكل من طلبها ممن انخرط في من الأجانب في صفوف جيش أو جبهة التحرير الوطني أثناء ثورة نوفمبر 1954؟ هذا بالإضافة إلى أنه لامجال للمقارنة بين أحمد وهؤلاء، لأن الباي لم تكن له جنسية أخرى، ولا لغة، ولا تقاليد، ولاعادات، ولا أخلاق، غير جنسية الجزائريين ولغتهم، وتقاليدهم، وأخلاقهم.
أما عن حياته، فإن السيد أحمد بوضربة، عندما قدم مذكراته إلى اللجنة الإفريقية سنة 1833، يذكر بأن الباي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 47 سنة، الأمر الذي يجعلنا نحدد تاريخ ازدياده بعام 1786، وقد كان يُسمى باسم أمه، فيُقال الحاج أحمد بن الحاجة شريفة، وهي من أسرة ابن قانة المعروفة في الصحراء. أبوه هو محمد الشريف خليفة حسن باي الذي تولى الحكم بعد صالح باي المتوفى سنة 1792. وأما جده فهو الباي أحمد القلي الذي حكم قسنطينة مدة ست عشرة سنة ابتدأها عام 1755، و الذي يقول عنه الحاج أحمد المبارك في “تاريخ حاضرة قسنطينة” أنه رجل عاقل صالح عالم بتسيير شؤون البلاد.
وقد نشأ أحمد في بيت أخواله، فشب على حياة البداوة، وتعلم الفروسية، وتدرب على القتال، فكان رجلا حاسما وشجاعا لا يعرف التردد عندما يجب الفصل في القضايا. وإن هذه الصفات الخليقة بكل مسؤول، هي التي جعلت الإيالة تعيينه، وهو لم يتجاوز الثلاثين، خليفة لباي قسنطينة التي هي أكبر المقاطعات في الجزائر وأهمها من جميع النواحي.
ولقد ظهر أحمد، أثناء ممارسته هذه المهنة الجبارة، مهارة كبيرة وخبرة واسعة في اكتساب ثقة الأهالي وضمان تعاونهم معه، بحيث أنه عندما وقع الخلاف بينه وبين رئيسه، وأمر هذا الأخير بحبسه، وجدناه يحظى بمساعدة أعيان المدينة و البايلك بصفة عامة لمغادرة المكان و التوجه إلى العاصمة بسلام.
وفي منفاه ظل الباي متمسكا بسيرته الأولى، فكان يبرهن على شجاعته وتفانيه كل ما دُعي للمساهمة في عمل من الأعمال. و في البليدة استطاع أن يثير إعجاب يحي آغة باستقامته وإخلاصه، وانقلب هذا الإعجاب محبة بعد تجارب طويلة، وخاصة بعد الدور الذي لعبه أحمد أثناء الزلزال الذي أصاب البليدة سنة 1825. ولذلك رأينا الآعة، صاحب النفوذ و السلطان في ذلك الحين يتدخل لدى الداي، ويحصل للحاج على العفو في مرحلة أولى، ثم على البايلك في مرحلة ثانية سنة 1826.
هكذا، حصل أحمد على هذا المنصب باستحقاق، وبمجرد ما تسلم مسؤوليته الجديدة شرع في تنظيم الأمور و القضاء على الفوضى. وتبين من خلال هذه الأعمال أنه قائد مقتدر له من الدهاء العسكري و السياسي ما لم يتوفر لسابقيه. ولذلك تمكن من البقاء اثنتين و عشرين سنة على الرغم من المشاكل و المحن، ومن المجهودات و التضحيات التي بذلتها فرنسا للقضاء عليه.
هذا، وإننا سنفرد للحاج أحمد دراسة مستقلة في وقت لاحق. أما اليوم، فإننا ننشر مذكراته التي يُجمع المؤرخون على أن لها قيمة تاريخية كبرى. ولقد سبق أن نشرها بالفرنسية وعلق عليها السيد مارسال أمريت في المجلة الإفريقية الصادرة سنة 1949، وررجعنا إلى المخطوطات الوطنية في باريس، فوجدنا أن هناك نسختين من هذه المذكرات مكتوبتين باللغة الفرنسية، و أن هناك بعض الإختلاف بينهما من حيث الشكل لا من حيث المضمون، الأمر الذي جعلنا نتأكد من أن المذكرات إنما كُتبت في أصلها بالعربية وترجمها شخصان مختلفان, ولكن الترجمة التي نشرها أمريت هي الأتم على ما نعتقد. ولذلك لجأنا إليها لنعيد المذكرات إلى لغتها الأصلية…وما لجأنا إلى ذلك إلا بعد أن يئسنا من وجود الأصل العربي.